مايو 28، 2018

دجلة الشريف في قراءة نقدية لقصة وائل اسحق (حكاية ريما)

عمل إبداعي ممتاز ، قصة مثيرة و مليئة بالأحداث المتشعبة و المأساوية  على مختلف المقاييس ، نابعة من خيال  خصب و غزير يمتلكه الكاتب ، و تكاد تكون مشابهة لقصص من واقع مضطرب و مرير تعيشه شرائح اجتماعية معينة  في أي مكان .

برأيي المتواضع النهاية جاءت طبيعية و متوقعة على تلك الشاكلة ، كل أخذ جزاءه ، فقط نهاية ريما بتلك الوضعية هي الغير متوقعة و مؤلمة . طبعا هنا عندما أقول نهاية طبيعية  ، هذا ليس استنقاصا من العمل إنما  مجرد رأي فقط ، بل الكاتب تقصد أن يختمها على هذا الأسلوب و أعتقد  هذه هي النهاية الأنسب .و هنا يكمن ذكاء الكاتب و حرفيته و تمكنه من تسيير حركة روايته في مناخ قصصي مشوق . وعادة أنجح  الأعمال الأدبية سواء دراما مصورة أو مكتوبة تكون نهايتها صامتة و سير الأجزاء حبلى بزخم كبير من الأحداث و صاخبة بإيقاع متوتر و هذا هو الأهم برأيي.   و أحيانا بعض الأعمال تبقى النهايات مفتوحة و قابلة للتأويل  من قبل القارئ أو المشاهد .

و من خلال قراءتي و متابعتي لمختلف أجزاء هذه القصة  ، بالنسبة لي ما كانت تعني لي كثيرا كيف ستكون النهاية، بقدر ما كنت أبحث عن تسلسل  مجريات الأحداث و تتالي المفاجآت  من بين سطور القصة و محتوى الأدوار و كيفية تنقلها من حدث إلى آخر بشكل درامي ملفت جدا و مشوق ، و  الحبكة القصصية التي أتقنها الكاتب  .

و قد وفق الكاتب  بشكل جيد إلى  شد انتباه القارئ و ذلك من خلال موضوع القصة ، طريقة السرد التصويري الذي اعتمد الوصف و كأننا بالكاتب وضعنا أمام شاشة العرض الفرجوي فجاءت  المشاهد مصورة ، وصف الشخصيات و كل شخصية و ميزتها و طبيعتها ، أيضا تعرض إلى وصف الأمكنة المأوى، الكوخ ، القصر ، و لفت انتباهي كثيرا وصفه لقاعة المحكمة بذاك الشكل المقرف و قد تقصد الكاتب  ذلك في إشارة إلى جملة من الدلالات الرمزية التي تخص البعض في هذا القطاع و ليس الكل طبعا   ، بمعنى التلوث المهني بتبلد الضمير  و الرشاوى و التلاعب بالقانون و إهمال الحقائق.

كما توفق الكاتب أيضا  في كيفية تحريك شخصيات قصته على مسرح الحياة ، فكل شخصية منهم نجد شبيهها في المجتمع، و كلها ذات أدوار رئيسية في القصة و لا يوجد دورا ثانويا لأحد منهم برغم الظهور القصير للبعض . و قد صوب الكاتب عدسة قلمه من خلال هذه الشخصيات  إلى تصوير أمراض المجتمع  التي تنخر في صميم تركيبته . فمن بين هذه الأمراض الاجتماعية التي أراد أن يكشف تداعياتها الكارثية  من خلال القصة .

نجد العلاقات العاطفية الغير شرعية و العلاقات العاطفية المشبوهة،  الجنس ، الخطيئة، الجريمة ، المال المشبوه و الكسب السريع و تجارة المخدرات ، التلاعب بالقانون ، تمزق النسيج الاجتماعي،  الضياع ، و الغيبوبة التي تذهب بفئات اجتماعية معينة .

أعتقد أن كل شخصيات القصة انتهجت سلوكا خاطئا أودى بها إلى نهايات تراجيدية لا يحسدون عليها، بمن فيهم ريما رغم قساوة الأقدار عليها .  و الكل مذنبون اجتماعيا و مرضى سلوكيا.  فكل شخصية كانت تركض خلف تحقيق رغباتها .

مثال ذلك نأتي إلى موضوع "الجنس"  في القصة و أعتقد أن الكاتب لم يورده بشكل اعتباطي و إنما وظفه ليخدم سياق القصة و يكاد يكون المحور المركزي في مختلف الأحداث فأغلب الشخصيات متورطة في هذا المجال . و للتوضيح أكثر سأورد أسمائهم (  ياسر و لطيفة، خالد و ريما ، العجوز يوسف و المرأة الخمسينية روعة )
فقد أراد المؤلف أن يبرز سلوكيات كل شخصية و نتائجها الوخيمة . و انتقاد هذه السلبيات المجتمعية. التي تهوي بالمجتمع إلى الحضيض.

- مثال شخصية ياسر ، شخصية انتهازية متجبرة غير مسؤولة ، ملوثة أخلاقيا ، عديمة الإحساس و المسؤولية،  تبحث عن كسب المال بأقذر الطرق ، لا ننكر بأن المال ضرورة ووسيلة في حياة الناس لكن له طرق سليمة و حلال  يأتي منها و ليست كما يفعل ياسر .

- شخصية لطيفة مديرة المأوى ، المغدور بها  هي أيضا شخصية مهزوزة و متناقضة و مخطئة، إذ كيف لصاحبة مسؤولية في مأوى و بين يديها حالات اجتماعية جاءت نتيجة علاقات عاطفية غير شرعية ، تنتهج هي السلوك ذاته ؟ هنا يريد الكاتب  أن يشير  إلى أن موضوع  الحب و الزواج مهم في حياة البشر لكن له ضوابط شرعية  و حدود حتى لا يتمزق المجتمع و يتفسخ أخلاقيا.

- شخصية كل من خالد و ريما ، أعتقد أنهما يعيشان حالة من الضياع العاطفي، و الذي بينهما ليس حبا فقط إنما هي الرغبة الجسدية  المادية البحتة ، فالحب علاقة سامية و مقدسة و نقية و الحبيب الصادق  لا يرضى لحبيبته الهوان و الذل و السقوط الأخلاقي. و أعتقد أن  الكاتب تقصد وضعهما في كوخ و ذاك الكوخ يغلب عليه الظلام يعني علاقة الحب بينهما غير سوية بل هي في الظلام و السر و ليست في النور و طائر الخفاش الذي كسر القنديل له دلالته الرمزية المشؤومة في تلك الوضعية. و قد وصف لنا الكاتب مشهد خالد و ريما وهما عاريان بتلك الحميمية الفاضحة و قد بدأ لهما الأمر كأنهما في غاية الأمان و النشوى ..

و لكنها نشوى مؤقتة و عابرة و هما في حقيقة الأمر في حالة من الخوف و القلق  من القادم المجهول . و هنا العري جاء بمعنى العري الأخلاقي  الذي آلت إليه فئات كثيرة في المجتمع و غالبا ينتهي بنهايات وخيمة كالذي حصل مع خالد و أدى به إلى ارتكاب الجريمة . لا ننكر ضرورة الجنس في الطبيعة البشرية لكن له ضوابط و حدود  حتى لا تضيع القيم و تتهاوى المجتمعات . فبإشارة نقدية ضمنية من الكاتب  لهذا السلوك الغير سليم .ربط علاقة الجنس و الجريمة .

- شخصية المرأة الخمسينية روعة ، وصفها الكاتب وصفا دقيقا من ناحية الشكل و يغلب عليها اللون و المزاج  الأسود،  نظرا للمأساة التي عاشتها و  ملامح الندوب النفسية التي تحملها . فلما وضعها الكاتب على تلك الشاكلة من العجز على كرسي متحرك . أعتقد أن الكاتب  لا يعني المظهر العضوي للعجز و إنما يقصد العجز المعنوي و النفسي لهذه المرأة رغم أنها تعود إلى عائلة ميسورة و لكنها عاجزة على الرد و الصراخ و الرفض أمام سلوك زوجها ياسر المتجبر  المتسلط و الذي سلبها حقوقها و تركها في حالة ضعف . كما أنها أيضا متورطة في قضية فساد أخلاقي مع العجوز يوسف .

- أعود إلى شخصية ريما البطلة المركزية في هذه القصة و الظروف القاهرة القاسية التي تحيط بها من البداية إلى النهاية . فهي اذا شئنا  أن نقول هي بريئة مما هي فيه ، و خطيئة أبويها وضعتها في المأوى يعني منذ بدايتها تحمل  وزر مأساة ليست عنها هي مسؤولة . فهنا ريما هي ضحية أخطاء الآخرين و لاحقتها لعنة الهموم و المصير المؤلم و تراكمت أحزانها فحوّلتها إلى جسد مريض على أهبة الموت   . بالمحصلة ريما هي أصغر شخصيات القصة عمرا يعني تمثل الجيل الصغير اليافع و هذا الجيل اذا كان على هذا النحو فهو ضحية مجتمع . تعيش حالة ضياع  و غيبوبة و ظلم مسلط عليها . و جاء موت ريما مفاجئا و لكن هي النهاية الأنسب.  فالموت حالة الانعتاق و الخلاص و التطهر من العالم المادي الدنيوي و التحاقها بعالم السماء عالم الفضيلة و العدالة السماوية الالهية .

و حالة ريما و هي في المشفى  تلاعب يديها مثل الطفلة الرضيعة و تنادي "" ماما "" هنا تشكو النقص   و عقدة فقد الإنتماء التي تفتقدها إلى والدتها و هي في حالة من الغيبوبة .
و من جهة أخرى دراسة ريما لعلم النفس ووظيفتها كمرشدة اجتماعية نفسية لم يكن عفويا هذا الاختيار ، بل تقصده الكاتب.  فقد عاشت مأساة و أزمات و صدمات  نفسية. فهي تربية و تنشئة المأوى و قد عرفت هناك معنى الألم النفسي و تداعياته  و عايشت وضع رفاقها مثلها . فأرادت  أن تكون عنصرا فاعلا مصلحا في المجتمع تعالج و ترمم الدمار  النفسي الذي يعيشه كل شخص على شاكلتها. 

من الناحية الفنية أعود لأعرّج على طريقة الفلاش باك الممتازة  التي اعتمدها الكاتب فهذا يدل على تألق و تمكن لدى الكاتب من كيفية السرد بهذا الأسلوب و حبك العقدة القصصية أكثر عند القارئ و هذه التقنية التي اعتمدها روائيون ناجحون في الروايات وكذلك نجدها في الأعمال التلفزيونية و السينمائية .
و هذا ينبئ بمستقبل أدبي فني واعد لصديقنا الكاتب الأستاذ وائل اسحق . حبذا لو يتحول هذا العمل في قادم الأيام إلى مادة درامية سينمائية أو تلفزيونية هذا بعد المراجعة و توزيع و إعداد السيناريو و الحوار . فهناك سينما الهواة و تكون هذه باكورة الإنتاج الإبداعي.  لمَ لا؟ .نحن نتمنى له التوفيق في كل ميادين
الحرف المبدع .

كان هذا رأيي و قراءتي  بكل تواضع كقارئة لحكاية ريما و مذكرات ريما و ما بعد الغيبوبة ... 
قد أكون مخطئة في قراءتي و تحليلي فقد التبستْ و تداخلت عليّ الأجزاء ربما. ففي نهاية القصة بدتْ
لي ريما و كأنها خارج إطار القصة و هي تروي هذه المذكرات . عندما أشار الكاتب بكلمات بين
  قوسين.
في ختام هذا العمل الأدبي الفني المبدع و بانتظار إبداعات أخرى متتالية أتوجه بخالص تشكراتي و تقديري لك صديقي الكاتب المتألق الأستاذ وائل اسحق Waél G Esshak  مع تمنياتي لك بمزيد من الألق و العطاء الفكري و الأدبي . مودتي لك و تحياتي .

✍ دجلة  الشريف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق