مايو 15، 2018

قصة بريد حب بقلم الكاتبة سحاب جحجاح

                       قصة بريد حب
==========
ج 1
الجزء الأول : نقشت على جدران الزنزانة قلباً
وفي كل يوم تأخذ ذات الحجر الصغير المرمي عند قدميها الحافيتين وترسم قلباً جديداً
حتى باتوا مئة قلب تنظر اليهم بشغف وتبتسم ثم تعود لاجلوس في ركنها الوحيد دون وسادة ، تسلل لظلمتها شعاع صغير
أمعنت النظرت إليه  ، فركت عينيها جيداً
انشغلت بالبحث عن مصدره حتى غاب عنها
غفت متألمة ، واستفاقت ...نظرت للجدار
بأي يوم أنا ؟ كم غفوت ؟ لم ارسم قلباً
هل فاتني قلبين ؟ وضعت يدها عل اذنيها تصمُّ ضجيج الضياع ، وباتت تضرب الجدران وتحمل الحجر الصغير وتشطب قلباً قلباً حتى أدمت يداها وتهاوت على الأرض مغشيا عليها
فتحت عينيها من جديد على اللاشيء
هذه المرة كان الضوء أقوى متسللا من جدار خلف رأسها ويضرب امامها
استدارت بلهفة ، اسرعت تتلمس الجدار واذ بالحجر الصغير بيديها وهي تحفر وتحفر لتصنع لنفسها فجوة في الجدار ، سمعت همهمة السجّان ، ارتعدت خوفاً ، عادت تنطوي على ذاتها كجنين في رحم امه ،
وإذ بهم يدخلون من أسفل الباب ذات الصحن المعدني وبه ذات الطعام وقطعة خبز صغيرة ، اقتربت دامعة العينين ،
تناولت بصمت شديد طعامها الى ان جاءها
فأر اقترب من قدميها وتسلق ركبتها وقفز للخبزة في يدها ، لم تنهره ، فرحت به كثيرا ، فهو صغير جدا.. ونظرت اليه يأكل بنهم ، وعادت تنظر للقلوب ، ها قد اضعت الزمن مجددا ً ولكن هااا؟ ما هذا ؟ كيف دخل الفأرةإليّ ؟ من أين جاء ؟
اقتربت تريد الامساك به ، خاف الفأر وحاول الهرب ، وهي تحبي وراءه
حتى اختفى .....
من هنا جاء الضوء
نعم ...هذا الفأر احدث ثقباً في الجدار لو انه يعود سأطعمه كل ما معي ليس فقط فتات الخبزة
أرجوك  عد ، وقفت أمام الجدار وعادت تشطب القلوب لتنهي المئة لكنها لم تنهها
اعياها البرد والجوع  ، غفت والغضب قتل الدمع فتحجرت عيناها بصمت ليل طويل
ولكن أي أي ...ما هذا ؟ من ذا الذي يقرصني
فتحت عيناها وإذ بالفأر يقضم قدمها ،
أي أي ...هل اقتلك ابتعد عني
لا ...لن اقتلك ...فانت صديقي الوحيد ...
الوحيد من يجرؤ على دخول كهفي المظلم ...يا لك من مغامر مشاكس تعال هنا ، بل هنا
هذه المرة كان الحجر الصغير بيدها فجوة صغير بالحائط خرج الفأر منها
أسرعت بالحفر ويوما بعد يوم باتت تشطب قلباً قلباً حتى بقي قلب واحد والفجوة اكبر تردمها ليلا كي لا يراها السجّان وكانت هي هزيلة نحيلة والفأر اصبح كبيراً
ذات صباح رأته بأم عينيها بعد ان اتسعت الفتحة نظرت لزنزانتها
لامست الجدار
شطبت القلب الأخير واسرعت
ركضت ركضت دون توقف
الى لا مكان ، هواء بارد ، وأشجار خريف عارية ، والظلام مع نقيق الضفادع وزيز الليل يثيران مخاوفها ...
===
ج2
ركضت ركضت دون توقف
الى لا مكان ، هواء بارد ، وأشجار خريف عارية ، والظلام مع نقيق الضفادع وزيز الليل يثيران مخاوفها ...
حملت عصا بيدها ، وباتت تشعر ان هناك من يلاحقها اختأت خلف صخرة دون حراك ، عبر السجان وحاملا بندقيته مع اثنين آخرين وهو يتلفظ بعباراته المعتادة والنابية ، شعرت بالغثيان ، وانفاسها تكاد تتوقف ، ظلام الليل لاول مرة كان معها ، فابتعدوا وهم يطلقون نارا لإخافتها ، نظرت لورقة سقطت من غصن شجرة ، وشعرت بالريح تدخل اوصالها المرتجفة ، زحفت ...وزحفت ..وإذ بها تتعثر بحذاء  لقدمين طويلتين امامها ، ترددت في رفع عينيها والنظر ، خبأت راسها بيديها  وتقوقعت ، واقتربت ذراع قوية منها ووضعتها هلى كتفها ، انتفضت هاربة وبدات بالركض ، وذو القدمين الطويلتين يركض خلفها حتى قبض عليها بكلتا يديه ، ارادت الصراخ ، لم تستطع ووقعت مغشيٌّ عليها
بقعة ضوء دافئة لامست وجهها ،
فتحت عينيها ، هي الشمس والفجر بدأ يوقظ يوماً جديداً ، كانت ستائر الغرفة تتمايل والأشعة تصل لطرف وسادتها
نظرت من حولها ، أين أنا ؟
لملمت قدميها ورفعت الغطاء لصدرها واذ بها عارية الا ما ندر ، سمعت صوت طرقات خفيفة على الباب ، والمقبض يدور
اختبأت تحت الغطاء ، صوت اقدام تقترب منها ويد تمسك بالغطاء لتكشف وجهها ،
عنوةً اسقط الغطاء عن وجهها بينما تسمرت عينيها في عينيه للحظة ، لم يكن احساس الكراهية ما تشعر به
منذ مئة يوم لم تشعر بهذا الهدوء
اعادت الغطاء والتحفته وحاولت النهوض للسير ، لم تستطع فتهاوت  من الإعياء  التقطها وحملها بين ذراعيه واعادها للسرير واضعا الغطاء عليها وابتعد مغلقاً الباب خلفه
===
ج3
لم تستطع فتهاوت  من الإعياء  التقطها وحملها بين ذراعيه واعادها للسرير واضعا الغطاء عليها وابتعد مغلقاً الباب خلفه
نظرت لسقف الغرفة الريفي الخشبي وقطرات مطر تطرق بهدوء على اكثر من وعاء معدني هنا وهناك وخلف الباب كانت ملابس معلقة بفوضى عارمة ، لكن جسدها النحيل مرتاح بنعومة السرير وقدماها ممدودتان تلامسان اطراف فرو ناعم يدخل الدفء لجسدها ،
وغطت في نوم عميق ، عميق لدرجة ان صرير الباب عندما اغلقته الريح القوية قد أدخل الرعب لها فاستفاقت ملهوفةً والظلام من حولها ، نهضت مسرعة ، ركضت نحو الباب المغلق وارتدت قميصاً رجالياً بأكمام طويلة وحاولت فتح الباب لتخرج وإذ به أمامها مجدداً ذُعرت وحاولت الابتعاد لزاوية الغرفة بينما وطأت قدمها على الوعاء المعدني فانسكب الماء من حولها
استمر  بالاقترب لطاولة وضع عليها نظارة وكتاب ووضع شمعدان مُضاء ووعاء فيه طعام ساخن ، اقتربت بجوع شديد من رائحة الحساء ، وامسكت بالملعقة بعد أن امعنت النظر بها جيداً ، وبدأت بالأكل حتى انها وضعت الملعقة جانباً وحملت الوعاء وشربت الحساء دفعة واحدة  ، وما إن انتهت حتى سألها ما الذى اوصلك لهذه الحالة ؟
أقصد من أين جئت ؟ هل لديك أهل ؟
نظرت للملعقة واطرقت رأسها وأجهشت بالبكاء ، دون ان تتكلم ، نظر اليها بحزن عميق وقال بهدوء :  ..ليس مهما الإجابة
لا عليك تستطيعي البقاء حتى الغد
لا تفهميني خطأ ولكني مسافر بعد غد
ومضطر لإغلاق المنزل ، دخلت طفلة الغرفة مسرعة تلحق بقطة صغيرة هاربة وهي تقول : بوسي بوسي هيا تعالي
وقفت تحملق بالفتاة وقميص الشاب الطويل عليها وسألته : من هذه ؟
أجابها : خذي قطتك واخرجي
الطفلة : لِم ترتدي ملابسك ؟
الشاب قلت لك اخرجي يا قطتي وإلااااا
وحملت قطتها وخرجت ضاحكة وهو يتبعها ليلتقطها مازحا ووقف لحظة قبل ان يغلق الباب خلفه ونظر اليها ، ثم تناول بنطالا من ذات العلاقة ورماه لها وفتح درجاً دون مسكة واخرج منه ابرة وخيط وقال لها
خذي هذا اجعليه مناسبا لك
الآن بات انا لي واحد وانت واحد
لكن لا بأس فهو حل مؤقت ، اغلق الباب وراءه وبقيت تنظر لكل شيء ، الوعاء على الأرض والماء المنسكب وآنية الطعام الفارغة
والشمعة ستنتهي والإبرة والخيط على الطاولة بينما البنطال على طرف الكرسي
جلبته وارتدته ، ليس واسعا جداً فهو نحيل أيضا ولكنه طويل جدا ، بدأت بتصنيعه بما يلائمها حتى انطفأت الشمعة وشعرت بالخوف من عودة الليل ، سمعت صوت اطلاق نار من بعيد ، قالت في نفسها لا بد وأنهم يبحثون عني
ماذا لو وجدوني؟
اسرعت ووضعت الوعاء من الارض على رأسها وزحفت لأسفل السرير واستقرت هناك بينما دار مقبض الباب مجدداً وكأن زلزالاً من الخوف أصابها  ، دخل بهدوء ، أضاء شمعة جديدة ، بينما رأت ذات حذاء المنقذ ، وهو يسأل : أين خرجت تلك الحمقاء ؟
ألا تعلم أننا في منطقة مقطوعة لا يوجد طريق سير قريب ، نظر للإبرة وامسكها وقعت بكرة الخيطان فاقترب ليجلبها من الأرض ليراها ويندهش لمنظرها
يمد يده إليها تعالي ، اخرجي كيف اتسع لك هذا المكان الضيق ، ضربته على يده للإشارة أنها ستخرج وحدها ، ابتسم وابتعد قليلاً
وخرجت بينما اصدر الوعاء صوتا لأنه وقع من رأسها ففزعت من صوته ووضعت يدها على أذنيها ، أغلق النافذة والستار وقال لها : 
آن الاوان لتروي لي قصتك ومخاوفك
انظري اليّ هل انا مخيف ؟ هل احمل عليك سلاح.؟
انا معك هيا اخبريني لربما استطعت مساعدتك ،  نظرت اليه بعينين جامدتين وكأنها جليد لا دمع فيه ، وقبضت على يديها بقوة لتتمالك نفسها ، ونظرت اليه وكأنها شبح و
===
ج4
نظرت اليه بعينين جامدتين وكأنها جليد لا دمع فيه ، وقبضت على يديها بقوة لتتمالك نفسها ، ونظرت اليه وكأنها شبح و حاولت ان تخرج صوتها المتهدج وقالت : أ أعذرني فأنا لي أكثر من مئة يوم لم اتحدث بها مع أحد
لفتت انتباهه هذه العبارة وجلس على الكرسي وشبك أصابع يديه على الطاولة وباهتمام بالغ انصت اليها دون اي حركة
لأن عمي أراد ان يقدم قرباناً لتاجر غني
فتاةً بتولة ، واغرورقت عيناها بالدموع  وامي ...  اجهشت بالبكاء  خافت وقالت لي كل كنوز العالم لا تعادل ان تبيعي ذاتك جسدا لوحش يأكله وعلينا أن نقف في وجهه
كانت تدافع عني بشراسة حتى انهم قيدوها بجذع شجرة طوال الليل انظر اليها منزجاج نافذتي وانا مقيدة بالسلاسل
كانت تبتسم
نعم أمي كانت تبتسم كي أهدأ ولا أخاف ولكني في غمضة عين مني بعد أن انهكني الصراخ نظرت اليها فجرا وكانت الابتسامة على وجهها ، ولكنها ..لكنها
قد فارقت الحياة قهرا
و دفنوها قرب المنزل لأنها رفضت أن اكون سلعة يتاجرون بها 
، أمي ...أمي المسكينة
انتغض واقفاً لتقع الكرسي أرضاً وقال :
المجرمون لا بد من محاسبتهم
كيف يجرؤ عمٌّ على فعل هذا ؟ وأباكِ ؟؟
أجابت : لم أرى والدي فأنا يتيمة
استشاط الشاب غضبا وضرب قبضة يده على الجدار وقال: يتيمة ؟ وعمك ؟ يا له من عديم الضمير سألقنه درساً لن ينساه
ذُعرت الفتاة وشعرت ببركان وفجأة اقتربت منه ووضعت يدها على فمه وقالت : هسسس لا ترفع صوتك قد يكون قريب
ارجوك قد يجدوني
التفت اليها ببطء وندم أنه اخافها 
وأجاب : لا تقلقي فانت بعيدة
ابتعدت عنه وعلامات الدهشة على وجهها
أكمل حديثه : وجدتك مغمياً عليك بينما كنت  في رحلة صيد ولم أصدق عيني عندما وجدتك عند جذع شجرة احضرتك بالسيارة
نحن في قرية حدودية هنا
جلست مُطرِقةً رأسها وكأنها تحاول فهم ما يحدث (قرية حدودية) (مكان بعيد )
نظرت اليه بغضب وقفزت من مكانها وانهالت ضربا بيديها النحيلتين على صدره
انت ...من انت ...؟
لِم احضرتني معك ها؟ ألم تسأل نفسك ان كان لدي أهل ؟
واحضرتني ؟ الى اين ستأخذني ؟
و...(نظرت من النافذة ) وصوت اطلاق النار
من أين أتى ؟
صرخ غاضباً : الحق عليّ انا
من اتى بك
نعم ...أي مصيبة انا بها الآن ، رأيتك وكأنك شبح ، خفت ان تنهشك الضباع وانت لا حول ولا قوة ، (هدأ قليلاً ) وكان ...كان وجهك شاحباً طفولياً ...ماذا كنت سأفعل ؟ أ أدعك هناك. ....(يضحك ساخرا ً) وها أنذا معي كنز
وعم مجرم ولا اعلم ان كان لديه عصابة برمتها ...جلس على الكرسي في حالة ضياع
وجلست هي ايضا بصمت يكاد لا يوصف
قالت : والآن ماذا ؟
أجاب : هه ماذا؟
لا اعلم ...
انت ورطة ..كنت اجهز نفسي للخروج من هذه القرية اللعينة التي لا يوجد بها إلا الفقر
حتى ...(يشير بيده ) حتى بنطالي اخذتيه مني ألا ابدو لك كم انا فقير
وقفت ونظرت للملعقة على الطاولة
وقالت : سأطبخ لك  دعني عندك
اجاب : وهل هناك شيء لتطبخيه
( وضع رأسه بين يديه وبدأ يتحدث مع نفسه )  فتاة مظلومة هاربة وعمها مجرم ومعي في منزل واحد ...أي حظ عاثر هذا
(نهضت بغضب ) وحاولت ان تلبس حذاء كبير وقديم خلف الباب
قالت : لا عليك سارحل وينتهي عذابك وحظك العاثر
(وقف وأسرع باتجاه الباب واغلقه بقوة ووقف وذراعاه ممدودتان ليمنعها )
الشاب : كنت تصرفي بعنفوان عليهم لا عليّ انا ، تركتهم يقتلون والدتك امامك وانت صمتتي دون ان تتكلمي يالك من بطلة ( دفعها للخلف وهي تنظر بخوف وحزن عميق حتى جلست بزاوية الغرفة وتضع رأسها بين يديها )
اصمت ايها الأحمق المعتوه
قلت لهم اني سأخبر الشرطة وأني ساخبر الجيران وأنهم لن ينجوا بفعلتهم
هل علمت ماذا فعلوا ؟
(هجمت عليه وامسكته من ياقة قميصه)
جروني كالشاة لنفق تحت المنزل واغلقوا علي الابواب حتى الطعام كان مم يتبق من فتاتهم ، ( امسك يديها المرتجفتين )
اتعلم كم النفق بارد ؟
اتعلم غربتك وانت في قريتك ؟
أتعلم انك لا تزور ضريح امك وتبكي ؟
فقط اردت البكاء ؟
لم يهزمني الجوع ؟ لأن امي كانت تبتسم
(حاول ان يضمها لصدره ولكنها ابعدته ووقفت قرب النافذة ) كانت تقول لي لا تضعفي ، لا تستسلمي ، لا تكوني وحبة يقتاتها الجبناء ، (اقترب منها ومعه الكرسي وخلع قميصه ووضعه كرداء على كتفيها وساعدها بالجلوس وابتعد )
انثى أنا نعم ...لكني لست وليمة
وحيدة أنا نعم ...لكني كنت انوي قتلهم
او اقتل نفسي
لا تقل لي القتل ليس عدالة
اين العدالة اذا
الى ان جاء الفأر....أمن المعقول أن يكون فأر سبب نجاتك ،
(هبت ريح من فتحات النافذة القديمة واطفأت الشمعتين )
شهقت الفتاة وقالت : لاااا لا تدعها تنطفئ
===
ج5
هبت ريح من فتحات النافذة القديمة واطفأت الشمعتين )
شهقت الفتاة وقالت : لاااا لا تدعها تنطفئ
أسرع الشاب وبدا باشعال الشمعة الاولى لكن عود الثقاب كان رطباً لم يشتعل
اسرع للعود الثاني ..والثالث ..والرابع وبقي معه عود ثقاب واحد ، نظرت بخوف والتوتر بدا عليه حتى انه تصبب عرقاً ، اشتعل العود الأخير وأشعل الشمعة ، انفرجت اسارير الفتاة بينما اخذتها   لتشعل الثانية بيديها المرتجفتين وهي تقول : لا أحب العتمة
اكرهها ، اكرهها وما ان ازداد الضوء في الغرفة حتى نظر لوجهها والنور يعكس عليه اللون الاورانجي الخفيف الذي زاد على رقتها جمالاً ، واكملت هي : اكره العتمة والرجال
فهم أنانيون ، شاذون ، هي انت ..لِمَ وضعت عليّ قميصك لست بحاجة اليه خذه
ارتدى الشاب القميص بصمت وهمَّ بالخروج من الباب الذي أصدر صريراً طويلاً
وقال : وانا لست بحاجة اليكِ كم انت مغرورة وحادة الطبع وصفق الباب وراءه
نظرت للشمعدان وللسرير وثم للباب
وقالت في نفسها ماذا لو لم يكن لديه غير هذا السرير ؟ إلى أين يذهب ؟
ومشت بخطوات صغيرة نحو الباب ، استرقت السمع ، لكن لا اصوات ،اين إذا تلك الطفلة ؟
وقطتها ؟ هل هو متزوج ؟ وهذه ابنته نائمة
هل افتح الباب واخرج ؟
لاااا عادت للسرير وجلست صامتة
لن اخرج ، ماذا لو كانوا في الخارج وهو يكذب اسرعت تجر الطاولة لتضعها خلف الباب كي لا يدخل مجددا ، لم تستطع
انه ليس مخيفا عليّ ان أهدأ نظرت للشمعة وقالت في نفسها اتمنى ان يعود بي الزمن
ليتني احظى  بفرصة تعيدني للماضي حيث يدي امي ارجوحة تهدهد احلامي ،
صوت صياح الديك وزقزقة العصافير والفجر بدأ يفتح عيني الصباح ، شعرت بجوع شديد وانها تريد الخروج ، استجمعت قواها وفتحت باب الغرفة بهدوء لكنه اصدر ذات الصرير ، سارت وتعثرت بقدمي الشاب فوقعت ارضاً ونظرت ما الذي اوقع بها
لتراه غافيا على الأرض يتوسد حقيبة سفر سوداء صغيرة والمكان ضيق وصغير ، نهضت نحو المطبخ قديم  الطراز فيه ورود ذابلة في إحدى الاواني ، تناولت قطعة خبز وكأس ماء وبدأت بالأكل والنهار لاح نوره في
الأرجاء ووجهه بدا جميلاًوهادئاً يحاول ان يتقوقع على نفسه من برودة الصباح لكن الحقيبة ابتعدت من تحت رأسه فاستفاق
وفرك عينيه واذ بها تنظر اليه ، احمر وجهها
وتلبكت بتلك اللقمة في فمها وغصت ،
اسرع يرد الكاس من يدها على فمها يساعدها كي لا تختنق، نظرت بخجل للحظة ثم ابعدت يده عن يدها بغضب ، هي ابتعد استطيع الشرب لوحدي ، ابتعدَ وغسلَ وجهه ومشّط شعره ، واقترب من حقيبته ، وضعها على كتفه سار باتجاه باب كبير لابد وانه باب المنزل ، وقال : حسنا  تستطيعي البقاء هنا وما ان وجدتِ مأوى آخر فقط اغلفي الباب وراءك، فتح الباب وخطى خطوة للخارج ودون ان ينظر اليها اكمل قائلا :
لست مضطرا لتأخير مشاريعي بسبب لقاء مفاجئ وضعه القدر في طريقي
تسارعت دقات قلبها من التوتر ، اسرعت لتمسك مقبض الباب قبل ان يغلقه ،
لااا ، الى اين انت ذاهب ، ارجوك توقف ،
أين انا ؟ ماذا سأفعل ، لمن سألجأ
اجاب ببرود : ليست مشكلتي
كان ينبغي ان تكوني اكثر امتنانا لي
شدّته من يده ليعود للمنزل بكلتا يديها
وقالت : ستتعلم ان الصمود في وجه الخطر هو احد وجوه النصر وان كان محملا بالأسى
وقف لا يبدي حراكا 
لم لا تحرك ساكنا ؟
دخل خطوة ورمى الحقيبة ارضا
واجابها : 
القيمة الحقيقية للحياة البشرية
تلطخت سمعتها والمجرمون سينالون عقابهم الالهي ولكن اتكلم معكِ بجديّة ، ماذنبي انا ؟
وبطاقة عبوري جاهزة ليومين فقط كي ابدأ حياة جديدة ، بعتُ كل ما املك لأحصل على البطاقة ، حتى عقد امي الوحيد رحمها الله
لم يتبقى سوى خاتمها هذا (واشار لخاتم في اصبعه الصغيرة ) 
امسك بيدها وخرجت للشمس اول مرة فلم تستطع الرؤية لدقيقة ثم فتحت عينها وهو يسير بها لجذع شجرة كبيرة جدا ومقعد من حجر وجلسا معا واردف قائلاً : انظري كم جلست انا وأمي هنا وهي تعيد حياكة ملابس والدي كي تناسبني ، وانا الهو مع ابنةجارتنا الطيبة وقطتها ، لكنها ما إن اصبحت صبية حتى زوجتها لشاب معه شهادة جامعية ، امسك عوداً صغيراً وبدأ يحفر بالارض نقوشاويرسم اشكالاً ، هل تسمى هذه الزيجة تجارة ايضاً ؟
بدأت المتاعب تنهال علينا ، خلف الفوضى والدمار ونيران الحرب اشتعلت، لتعود رفيقة الطفولة بعد استشهاد زوجها ومعها تلك الطفلة ، واشار لفتاة تتارجح على شجرة بعيدة ، وانا ما زلت امضغ فقري ، وهي امام عينيّ ، عليّ الرحيل (نهض وسار لحقيبته
ولحقت به هي )
لا عليك توقف ، أ أ ألم تقل أنك تملك يومين
دعنا نفكر اليوم ، نظر اليها وهو بين خطوة للعودة للمنزل وخطوة للخروج ..و
===
ج6
لا عليك توقف ، ألم تقل انك تملك يومين
دعنا نفكر اليوم ، نظر اليها وهو بين خطوة للعودة للمنزل وخطوة للخروج ..و نظر للوراء وكانت الطفلة تحمل قطتها وهي على أرجوحتها ووالدتها الأرملة تهزها ببطء شديد وما زالت ترتدي الأسود وذاك الوشاح الابيض تهدل على كتفيها ليتناثر شعرها الاسود بهدوء ، فتبعت الفتاة عيني الشاب لتشاهد ما شاهده ، ويدخلان معا بينما يرمي حقيبته قرب الباب ، فتدخلها هي اكثر لوسط الفسحة وتغلق الباب  خلفها بقوة ، فينظر اليها ويقول : سأذهب للخارج احضر بعض الطعام مم كنت أدخره للسفر ، واقترب من صندوق خشبي قديم ، نفض الغبار عنه بهدوء ، قام بفتحه واغرورقت عيناه بدمع لم ينسكب ، واخرج ثوباً مزهّراً وشال ، نظر للفتاة وقال : وانت استحمي في غيابي وارتدي ملابس أمي ، خبأتها وكنت اشتاقها ولم اتجرأ ان أواجه رائحتها ، ولكن أنت بحاجة لها ولو كانت امي هنا ، لأعطتك اياها
وضع الملابس فوق حقيبته وترك كل شيء وغادر دون أن يلتفت للوراء .
احساس الغربة لم يعد يتملكها ، وكانها أَلِفت المنزل واسرعت تضع قِدراً من الماء وتسخنّه بينما سارعت لتنظيف الغبار ورمت الورود الذابلة ، مضى الوقت سريعا ليدخل الشاب ومعه بعض الطعام الجاهز برائحة شهية ، يشاهد الفتاة امامه وهي تنظف الصحون مرتدية ثوب امه وشال على رأسها عقدته في منتصف الجبين ، حاول ردع نفسه من عناقها ، وتمالك نظراته الملهوفة ، وسار باتجاه الغرفة وإذ بكل شيء في مكانه مرتب وجميل ، وضع الطعام على الطاولة ، اسرعت هي ووضعت الصحون والشوكة كانت فوق اذنها كقلم صغير ، ما اشهى هذه الرائحة !
بدأا بتناول الطعام بصمت حيث تاهت كلّ الكلمات وهو يخفي عينيه كي لا يرى ملابس امه وهي تخفي عينيها كي لا يرى مخاوفها من الوحدة ، وإذ صرير الباب يرتفع مجدداً تخاف الفتاة وتقف خلفه ماسكةً كتفيه ،
لتدخل القطة والطفلة خلفها ضاحكةً ،
دُهِشت الطفلة كل الحق على بوسي هي دخلت قبلي ، واقتربت من الشاب بعد ان ابتعدت الفتاة عنه وسألته : هل تزوجت بهذه السرعة؟
خاصمتك ، لم تخبرني
وخرجت الطفلة مسرعةً وهي تصيح بأعلى صوتها ، أمي ...امي ..حسان تزوج  ولم يخبرنا
شهقت الفتاة بينما استنفر الشاب وأغلق الباب وعاد غاضباً هل سمعتي ؟
اعتقدت اني تزوجتك؟ أي حماقة اوقعت نفسي بها
لكن الفتاة تسمرت عيناها على النافذة التي أمامها ثم ابتسمت ونظرت اليه
اسمك حسان ، جميل جداً ،ثم عادت تقطيبة جبينها وكانها استوعبت الأمر ، ماذا ؟
زوجتك ؟ كيف تبادر لذهن الطفلة هذا الأمر
وركضت تنشره في القرية ، يا لها من صغيرة  متهورة
صرخ الشاب : ما هذا ؟ قمتِ برمي الورود ؟
من سمح لك بهذا ؟
الفتاة : كانت ..كانت ذابلة ، وارتفع صوتها
واكملت هي ذابلة ، تعفنت في مكانها ، وانت
ألم تكن تنوي الرحيل وتتركها هنا ، ما الذي استجد  ؟
هل كانت في حقيبتك وستاخذها وقمت ُ برميها ؟
جلس واضعاً رأسه بين يديه
مسافراً
نعم كنت مسافراً ، ماذا افعل هنا الآن هااا؟
لم اسافر ،تغيرمسار الاحداث
كنت أواجهه بشراسة واقعي 
اخشى انها نهاية المطاف
سأحسم الأمر
وانتِ ابقي هنا ، تعرفي على الجيران
وسيهتمون بك أما أنا راحل ، اسرع وحمل الحقيبة وفتح الباب وإذ بجارته الارملة وابنتها والقطة على الباب وبيدها باقة من ورود الحديقة التي أمام منزلها
بدأقلبه يطرق بشدة حين قالت له : مبارك لك الزفاف هذه مني ومن سالي وبدأت القطة تموء فأردفت ومن بوسي أيضا ، كانت الفتاة قد اصبحت خلفه تماماً ، نظرت ام سالي اليها بهذا اللباس الغريب واعطتها الورود ، شكرتها الفتاة وطلبت منها ان تتفضل
فأجابت ام سالي : الوقت غير مناسب فأنتما عريسان سنأتي لاحقا يا اا
وتوجهت ل حسان : ما اسم عروسك ؟
نظر للفتاة وفمه مفتوحاً وتلعثم بالكلام لتجيب هي قطر الندى وينادوني ندى
ابتسم حسان ووضع يده على كتف ندى بينما غادرت ام سالي ليغلق الباب خلفها
و(رمى الحقيبة على الارض مجددا)ً يحدث شيء كلما امسكت الحقيبة والآن ماذا ؟
ذهبت ندى ووضعت الورود في الكأس الفارغ
وقالت له : ها هي ورود جديدة في آنيتك
جلست تنظر للورود وسألته : هل استطيع الذهاب معك ؟
قهقه ضاحكاً وضع يديه على بطنه وضحك حتى هطل الدمع من عينيه ،
تمزحين ...ألست تمزحين ..أصدقتِ انك زوجتي وإن كنت هل املك نقودا لبطاقتك ؟
نهضت غاضبة ورمت الشال عن رأسها على السرير ووضعت يديها على خصرها
ندى : هاهاها وتضحك وصدقتي انك زوجتي (اكملت بلهجة تحدي )
ستحزن كثيرا ،  عواطفك تعترضك ، وتشعر بذكوريتك وغرورك ، ما الذي ترمي اليه
اعلم كيف اخوض معاركي مع كل الناس
نقاتل لا حبا بالقتال ولكن معركة الحياة فرضت علينا ، يالك من شاب أهوج
سأضع حدا لهذه المهزلة ، واخرج انا
وانت تابع حياتك ، وهروبك من واقعك ،
ومن حبيبتك ، لا عجب ان احدا غيرك أخذها ، لانك جبان وقفت تتفرج
حسان : (جُنَّ جنونه ) انا جبان
اخاطر من اجل انقاذك ،  وأنتِ الاكثر شجاعة
بمواجهة الوحوش لأنك وضعت الثقة كلها بذاتك ، بالتأكيد اشكرك
تسرعت في الحكم عليّ هيا غادري
وقفت بالباب ، حافية ونظرت للفستان الذي ترتديه وقالت له سأعيده لك يوما
وخرجت باكية وهو .......
===
ج 7
وقفت بالباب ، حافية ونظرت للفستان الذي ترتديه وقالت له سأعيده لك يوما
وخرجت باكية وهو لأول مرة يشعر كأن هناك من اقتلع قلبه منه ، ركض خلفها وصرخ باسمها قطر الندى توقفي
ندى : اكمل حياتك انا مجرد فأرة صغيرة خرجت من نفق كبير لعالم مليء بالمتاهات
حسان : انسيتي أنك حافية
وسُمع صوت اطلاق نار من سيارات عابرة مسرعة خافت والتفت عائدة راكضة وامسكت بيده ودخلا مسرعين للمنزل بينما خبأت رأسها على صدره وتنده ، لابد أنهم من قريتي ، ألم أقل لك انهم لن يدعوني وشأني
إنها مصيدة ، رفع وجهها بين كفيه ونظر لعينيها مباشرةً وقال اهدأي ، تعالي معي سار بها للغرفة ووضع شال أمه على راسها واعطاها عُكازاً من طرف السرير
وقال لها لا تستديري مهما حدث ، واذ بصراخ ام سالي تقول :  ماذا تريدون ؟ من انتم ؟
أجاب رجل ضخم أشعث الشعر : لا علاقة لك بمن نحن كان رجلان مسلحان قد خرجا من منزلها واقتربا من منزل حسان الذي تصدى لهم على الباب بأي صفة تدخلون
اجابه الأشعث : ابتعد ان استطعت منعنا امنعنا وضربه بأخمص البندقية على رأسه فسقط ،   وسألهم : من أنتم ؟لا يحق لكم 
ودخلوا المنزل بينما تسمرت هي بمكانها وحنت ظهرها كأنها عجوز دون أي التفاتة ، قالوا لم نجد احداً هنا
أسرع الثلاثة للسيارة وهم يطلقون النار في الهواء وقال الأشعث الضخم : لن تبتعد اكثر هيا لنبحث ضفاف النهر لن تتغلب علينا فتاة حمقاء وتمنعنا من تنفيذ مآربنا ،غادروا والغبار يتطاير خلف عجلات السيارة
نظر حسان لندى بعد أن هرعت أم سالي وابنتها لمنزلهِ ، اقترب يضع يده على كتفها لتقع ارضاً وكأنها تجمدت يحملها مجدداً ويدخل بها للسرير ، يضعها برفق وتقترب أم سالي منها وهي تنظر لشحوب وجهها وتطلب من طفلتها المغادرة ،ومن حسان قطعة قماش وماء ، ما إن وضعت الماء على شفتها حتى اخذت ندى نفساًعميقاً وكأنها عادت للحياة ،
ام سالي : سؤال يشغل بالي ، من تكون ؟
حسان : ربما هي قدري
ام سالي :ما الذي تلمح اليه
ندى : ما هذا الصوت ؟من خلف الباب ؟
انا خائفة
حسان : لا عليكِ أنت بخير ، خذي قسطاً من الراحة ، أيا ً كان الأمر سنواجهه معا
أم سالي : سيكون الأمر صعباً
حسان :  دم الوحوش الذي يسري في عروقه ، لن يحرمك الحرية والتي هي القيمة العظمى وهو هالك بتخلفه
ام سالي : إنه مخيف حقا
انه اشبه بوحش يرتدي ملابس انسان
تدخل الطفلة ومعها وردة وصوت الباب ، تفزع ندي وتسأل  : من هناك ؟
حسان : اهدأي   اهدأي أما زلت غاضبة مني ؟
ندى : بل أنا خجلة لأنك تخاطر من أجل انقاذي وتحملت عناء اخفائي
صمتت لحظة واردفت قائلة كنتُ اخاف على نفسي والآن بتّ قلقة عليك  ،اشكرك تسرعت في الحكم عليك
نظر حسان لجارته أم سالي وقال : رجاءً امنحينا بعض الوقت
نظرت اليهما وهي خارجة وكأنهما شخصان خارجان من الحكايات
بات كلّ شيء هادئ من حولهما ، الطعام على الطاولة ، والورود في الآنية ، ونظرت ندى للنافذة بمحاولة منها ألا تلتقي عيناهما
ونظر هو الى اللامكان في زاوية خلف السرير
وتحدث ببطء معنا اليوم فقط لنتخذ قراراً
ندى : الرحيل أو البقاء ؟
حسان : (نظر اليها وبيده الباردة على وجهها الساخن و عينيها مقابل عينيه مباشرةً )
بل البقاء معاً أو الرحيل معاً
لمعت عيناها وازدادت دقات قلبها وتلعثمت في الكلام أتقصد ان قرار كوننا معاً هو امر مفروغ منه
اجابها بعد أن امسك يديها : ألا ترين ان القدر جمعنا كنت وحيداً قبلك اتجرع بؤسي وشقائي وانت كذلك وربما والدتك المبتسمة وامي الباسطة يديها لي بالدعاء قبل مفارقتها للحياة جمعانا
ندى : لكنك لا تملك ثمن بطاقة ثانية
حسان : إن وافت على البقاء معي لن أسافر
ندى : ماذا ؟
حسان : بعد أن غادرتني أ
مي شعرت بالغربة
ولكن اشعر اني استطيع الاستمرار هنا بعد ان وجدتك ، أمسكها من يدها وواوحى لها بالنهوض فنهضت ممسكة بيده وسارت معه الى أن وصلا للنافذة ونظرا معا وأكمل قائلاً:
بالامس كنتِ انت في نفق تحت الأرض
وكنت انا في نفق فوق الأرض ،
واليوم  نخرج للحياة  لنسير معاً نستمد من ضعفنا قوة واسرع بها وفتح الباب وخرج يركض بها للشجرة وجثى على ركبته وخلع من اصبعه الصغير الخاتم قائلاً :
أتقبلين الزواج مني
التفتت يميناً ويساراً والريح تداعب وجهها
وأجابت : نعم أقبل الزواج منك
وقف وضمها لصدره والجارة بدأت تطلق زغرودة فرح لقلبين ارهقتهما الحياة كثيرا ً
                               النهاية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق