قراءة بقلم الأستاذة دجلة الشريف لنص *رؤية* للأستاذ وائل اسحق
* برؤية تأملية رسم الكاتب كلمات نصه ، و كأني به في حديث مع ذاته فاتحا نافذة على محيطه الخارجي يقرأ فيها فصول الحياة ..!
فمن العنوان يوحي لي النص بأنه يحمل في طياته مناخا تأمليا فكريا ، أكثر منه أدبي .
و انطلاقا من الجملة الأولى في النص، نلاحظ أن الكاتب لم يقل " لا فرق عندي " بل قال ( لا فرق عند أوراقي).
فأوراقه التي توزع حبرها بين رؤاه الفكرية و كلمته الأدبية .
و بهذا يكون قد منح أوراقه حركية باعثا فيها "روحا" و موقظا فيها "الحياة"، فبدت الأوراق في بداية النص تتصدر لغة وصوت المتحدث .
و للتوضيح أكثر و حتى لا يساء الفهم ، هنا المعنى الذي قصدته هو طبعا بالمفهوم المجازي للكلمة و ليس العقائدي.
و أعود للجملة الأولى التي يقول فيها ( لا فرق عند أوراقي أن تقرأ هي أو تمزق هي). هنا تخطر ببالي الآن مقولة تقارب هذا المعنى الضمني للكلمة ( حينما تحترق الأوراق تطير الكلمات بعيدا، الأوراق قد تحترق ، لكن الكلمات المسطرة عليها تطير بعيدا ).قد تضيع الأوراق أو قد تتبعثر أو تحترق أو تمزق لكن ذاك البعيد، هي تلك الذاكرة التي تحتفظ و تختزن في ثناياها إبداعات الآخرين وتحفظها من التلف و الإهمال.
فما أفهمه هنا أنه يورد رسالة تطمينينة بينه و بين نفسه و للآخر، بأنه لا يزعجه هذا الأمر. بل هو على ثقة و إعتزاز بما أنجزه و أن كلماته تجاوزت صفحات الورق إلى مساحة الورد . فعلى إيقاع كلماته تمايلت أزهار الربيع بثقة و دلال، و إن ضاعت الأوراق و تمزقت، فله في أوراق الورد و خدودها مساحة و فسحة للكتابة.
(فأزهار الربيع باتت مزهرة بإسمي )
عند هذه الجملة أقرأ حضور "الأنا" بين السطور تألق "الأنا" الكاتب المتحدث عن نفسه ، ليس من باب الغرور و إنما من باب الثقة و الاعتزاز بنفسه . و برؤية أخرى أقرأ في الجملة جانبا آخر يشعر به الكاتب و هو ذاك اللجوء و الامتداد و التواصل مع الطبيعة ، و على غرار الرومانسيين
هي بمثابة الأم الروحية أو الحبيبة ، هي الحضن و الملاذ الذي ينتمي إليه و يرتمي فيه ليستكين إليه في ساعات الفرح و الحزن و الألم و الأمل.
أصل إلى الجملة التالية( و نسيم الأمل الخارق لنافذتي يشعل شمعتي الوردية . ..) عادة النسيم يطفئ الشمعة ، لكن هنا في هذا السياق يكون عكس مفعوله الطبيعي لأن الكاتب أورده بشكل بلاغي ذو دلالات رمزية. فهذا النسيم هو من أمل . وتقصد الكاتب إيراد كلمة الخارق فدلالة الاختراق توحي بقوة النفاذ فنسيم الأمل اخترق النافذة بقوة لأنه ممتلئ بطاقة و شحنة عالية من الأمل ، فشمعة التفاؤل و العطاء هي امتداد لذاك الأمل الذي أوقد نورها فهي وردية الأيام .
و لا زال الأمل يتابع رحلته بين دوات و أقلام الكاتب ، (يرتل انشودة تلك الفتاة المزينة بالألوان ) . و يواصل الكاتب حديثه مع نفسه و عند آخر النص يرتفع منسوب الثقة أكثر من ذي قبل و يعلو صوت الإرادة و العزيمة عاليا من خلال جملته التالية
( لن تنهار حروفي )
فهذا دلالة على استمرارية و إصرار و يقين بما يؤمن به من إبداع.
و يختم النص بهذه الكلمات التي يسكنها بعض الغموض ليترك القارىء أمام نقطة استفهام (و لا تزال تلك الصامتة عالقة بين شجوني ، كفصل من فصول الحب تقتحم وجداني ). متسائلا ترى من تكون تلك الفتاة المزينة بالألوان؟؟ و تلك الصامتة العالقة بين شجونه ؟؟ قد تكون هي الكلمة الإبداعية التي ينشدها الكاتب ، قد تكون الحبيبة الملهمة ، قد تكون هي إحدى الأعمال الأدبية التي يصبو الكاتب إلى إنجازها، فهي
ما تزال قيد الصمت تنتظر لحظة تكوينها و ميلادها في لحظة تليق بها . فالحب و الكتابة هما اقتحام للقلب و للورق ، لا موعد لهما .
بالمحصلة قد تكون هذه الرؤية شخصية ذاتية تعني الكاتب ذاته، فيها من الإسقاطات الشئ الكثير و قد تكون الرؤية هنا، في المطلق و لا تعنيه بنسبة كبيرة، فليس كل ما يكتبه الكاتب هو بالضرورة على مقاسه.
تألق الكاتب في تصوير رؤية تأملية ، توغل في خطوطها و أبعادهاالرمزية ، مع حضور الحس الوجداني المرهف .
كان هذا تعليقي على النص الإبداعي في قراءة متواضعة لي.
دام إبداعك و تألق قلمك الجميل صديقي Waél G Esshak لك تحياتي و تقديري مع تمنياتي لك بالتوفيق و لكل منتدى اسحق الثقافي .
* دجلة الشريف / تونس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق