حكاية ريما - قصة اجتماعية
الجزء الأول (بعد هروبها من المعتقل )
تابعت ريما في طريق هروبها الغامض.
حفية القدمين ، بثيابها الصيفية الممزقة تحت قطرات المطر المنهمر .
تغازلها الغيوم المعانقة للقمر .
لاتنتظر ماهو القادم من هذا الطريق وما سيلاقيها من متاعب أو راحة بال.
أكثر ماكانت تفكر به هو اللاشيء ، فعقلها لم يعد يحتمل ضجيج النفس الضائعة بين ظُلمات الزمن العاهر .
هذا الزمن الرديء الذي يُعاقب الانثى لأنها في صميم كيانها تضمر بركاناً خامداً لايثورُ إلاّ لحظة هيجان الذكورية البغيضة.
وقفت تحت شجرة ، بعد أن أنهكها التعب . استلقت على ظهرها مستسلمة لحالتها الضعيفة تحت وطأة اليأس الجارف للابتسامة .
نظرت لقطرات المطر المتتالية التي تسقط من اوراق الشجرة وترتطم مع وجهها لتتزواج مع دموعِ الرمق الأخير .
قدماها ماعادت قادرة على الاستمرار من شدة البرد الذي يجلد عظامها.
رغم ذلك نامت بعمق شديد .
=====
الجزء الثاني ( قصة ريما )
استغرقت بنومها العميق حتى بزوغ الفجر رغم البرد والطقس الماطر.
عانقت بأحلامها والدتها التي تركتها وهي صغيرة أمام دار الأيتام ، لتذهب وتتزوج من رجل ثري يغنيها عن غياب زوجها الذي انفصل عنها وهجرها بعد انجاب طفلتهما بيومين.
ربما هذا الحلم هو الذي منح الدفء لروحها الحالمة بالسلام ولقلبها النابض بالحب .
حياة ريما مليئة بالمعاناة والحزن و الأشواك التي تُكلّل عبير وجدها الإنساني . فقد وُلِدَتْ لتجد نفسها بمأوى للأيتام ، وفي سن المراهقة قررت الهروب من المأوى لتلتجأ لرقاق أزاحوا عنها ستار الأخلاق وانتزعوا منها قداسة الانوثة . لتظهر بداخلها ذئابٌ تتآكلها مصائبُ البشر و انحدار إنسانيتهم حدود الهاوية.
لم تشأ أن تبق وسط الخراب النفسي والدمار الجسدي لذلك قرّرت العمل عند إحدى العائلات الكريمة و هناك كان سبب دخولها المعتقل ...
=====
الجزء الثالث ( حكاية ريما وسبب اعتقالها 《1》 )
بعد أن وجدت نفسها وحيدة ، قررت الطفلة ريما أن تعمل. وهنا بدأت رحلة البحث عما يليق بفتاة في مقتبل العمر .
مضت أيام و أيام بينما معاناتها في دار الأيتام تتفاقم . لاتكاد لملمة الظلام تذوب عن اخاديد الفجر إلاّ وهي تُعانق السّهرَ بقلق وتوتر .
اطلب الراحة الجسدية والنفسية فلا تجد لهما السبيل.
رفقاها في الدار يسخرون منها ، فهي قصيرة القامة .
لكن تملك قلب مليء بالآمال وضجيج الحياة ، ليمنحها طمأنينة زمنية لا تتعدى ابتسامة مسروقة من صندوق أحزانها.
لم تطلب المستحيل في حياتها ، لم تطمع بزخارف هذا العالم ولم تنظر للذة العيش و اغراءاته .
كل ذلك جزء بسيط من دوران عجلة الحياة المنهكة التي تتعرض لها ريما.
في يوم وبينما كانت تقرأ جريدة المدينة . لفت نظرها لاعلان يطلب مربية أطفال لم تتجاوز الثامنة عشرة من عمرها .
وهي في الخامسة عشر و تشعر بخيبة أمل وانقطاع الرجاء دون نبض الفرح بحياتها.
قررت تقديم نفسها للعمل كونها تعلمت من الحياة أن جمال الحياة بكائناتها وليس تصوراتها و الحقائق أفضل دليل للوجودية من الخيالات المدمرة للأفق .
لذلك رسمت سعادتها في هذا العمل، كلاعبة تُجيد حرق الذكريات والوقوف بضاحية الفرح المشرق تُنسج من خيوطه بياض رغبتها بالبقاء .
بعد موافقة أرباب العمل لها بالعمل ، وبينما هي واقفة مودّعةً الدار الذي احتواها صغيرةً وربما لن تعود إليه بعد انجاز ماكانت تسعى له .
ذهبت ريما دون وسواس الفشل ولا حرارة الظن وإنما بنور السعادة وحب الحياة .
انطلقت كعصفور فقد حريته برهة من الزمن لينالها بثباته وايمانه أنها من نصيبه.
تركت خلفها معبد اليأس ودمار الروح لتتمتم بدعواتها ان تزول ظلمة حياتها وتبدأ عقارب العاطفة بزمن غريب الأوقات والألوان .
بمزيج من الحب والدهشة مع الخوف والقلق تابعت مسيرتها لتصل منزل العائلة التي ستعمل لديهم ولحظة وصولها كانت المفاجأة الأولى التي تعترضها حيث أنّ....
=====
الجزء الرابع (حكاية ريما سبب اعتقالها 《2》)
حيث كان باستقبالها خالد صديقها بالمأوى ، وهو من أنقذها من الغرق أثناء رحلة صيفية ترفيهية .
إلا أنه اختفى ولم تعلم عنه أدنى خبر .
كان خالد يكبرها بخمس سنوات وهو يعمل سائق عند عائلة آل سعيد منذ هروبه من المأوى.
الأمر الوحيد الذي لم يخطر ببالها أنها تلتقي الشاب الذي حرك مشاعرها بعد أن نفضت يدها عن لقياه.
نظرات الحب والحنين المتبادلة بينهما لم تتعدى مرورة نجمة لتطفل صاحب البيت السيد ياسر سعيد . ويطلب من خالد اصطحاب ريما للداخل.
تقدمت ريما بخطوات بريئة تشقُّ عباب الماء . ووجهها يتقلّب بين الثراء الفاحش . لتفيض آلامها من ساعات الفقر والحاجة و ضياع الأمان .
بدات تبحث بنظرات هادئة عن الراحة والدفء الضال . فنفسها كانت حبيسة الحب المنذور ببزوغ الشمس ورفرفت جناحيها في فضاء الحياة .
كان خيالها يتأرجح بين ماتراه من أثاث ملوك و ما تسمعه من موسيقى تتراقص لها الأزهار والجداريات العملاقة .
دوامة هذه التصورات دامت حتى انحدر صدى صوت السيد ياسر عن وجه الحلم المتربع بذهولها .
ليطلب منها الجلوس وقراءة عقد العمل.
بينما ريما المضطربة غازلت ورقة بخفقان قلبها لحظة سقوط نظرها على المبلغ ، حيث شعرت أن جزء من قلبها يسقط بين أضلاع الواقع المتكسر خارج هذا البيت الارجواني .
عمّ الصمت المكان وتدحرجت دموع ريما كندى الصباح .
بغير تفكير أسندت رأسها على كتف خالد وكأنها تطلب منه أن يطبطب عليها .
خوفاً مما هو قادم وحزناً على سنوات اليأس والبؤس.
ليقوم خالد بضمها والأرض تلثم أقدامهما والنبض يتطاير بسيلان شغفهما .
ليسمعا هدير جبل قادم من خلف المكتب يقول لهما ( هل تعرفان بعضكما ) .
هنا انطفأت شمعة الحنين المؤقتة بعد أن ذابت بأحضان مُوقِدَها.
لتعود ريما لقراءة العقد مرسلة نظراتها بالمناصفة بين بنوده و وجه خالد. وكأنها تقول له احميني كما فعلت سابقاً.
باب المكتب يدق ثلاث دقات ، إنها الخادمة ايزابيل التي جلبت الضيافة كعادتها .
وقفت ريما احتراماً لها لتقع بحيرة لحظة رؤية وجهها لان الخادمة هي ...
=====
الجزء الخامس( حكاية ريما سبب اعتقالها 《3》)
الخادمة هي مديرة مأوى دار الأيتام ، الذي اعتنى بطفولتها وأجبرها على العمل بمراهقتها.
الخجل كان متبادل بين ريما و السيدة لطيفة ( مديرة المأوى والخادمة )
تناولت ريما حصتها من الضيافة وهي بحيرة من أمرها و تساؤلات تدور عن هذا اليوم المليء بالمفاجآت.
فالأحلام والمشاعر المُسيّرة لها تبقى راكنة بهدوء الروح وخلودها ، حيث تغفو حيناً و تثأر أحياناً أخرى من مالكها كوهج الشمس بذروته و النسيم العابر لنور القمر.
ألقت الحياة بذور اليأس أمام ريما الطفلة الحزينة الضائعة بغياهب مجتمعٍ فاسد . فتعبتْ أسنانها من صرير خوفها و ارتجفت أجفانها من أشباح اليقظة المكللة بأشواك الأخيلة بين جدران مأوى جاهل للإنسانية.
بين جزر ومد لآهاتها، قرّرت توقيع العقد بعد ان أيقنت أن الصراع لن يجاريها إلا وتكون هي حلبة لنزاع الأحبة .
ذلك الظمأ المتأرجح بين الراحة والتعب ، بين الفرح والحزن .
لأول مرة ينتابها شعورٌ غريب يعكس بخور ايمانها و أنامل نبضها العذبة.
لأول مرة تتداول هذا الكم الهائل من الأفكار وتحاول ترتيبها وكأنها وسط غابةٍ تتآكلها نارٌ هشيم.
انخفض صوت أحلامها وبقيت نظراتها الذابلة أمام جبروة المال المتمثل بالسيد ياسر و عبق الحنان المنثور من دموع خالد المخفية.
في هدوء تلك الأمسية ، جزع كلٌ إلى غرفته للنوم . وكذلك فعلت ريما حيث كانت غرفتها بالقرب من مكتب السيد ياسر بجانب المدخل الرئيسي للقصر.
بانتظار أول يوم عمل بدجى السلام و....
=====
الجزء السادس ( حكاية ريما ، سبب اعتقالها 《4》)
نامت ريما قريرة العين ، وظلّ خالد ساهراً في مخدعه الذي هو عبارة عن كوخ صغير قرب باب القصر.
يُراقبْ النجوم السابحة على بساط الحزن ويسمع حشرجة الوجع بصدر الليل الهادئ.
تُراودهُ خيالات موحشة تُزمجرُ بانفاسها الرهيبة قرب نبضه المتسارع.
وذاكرته التي أعادت له معزوفة الروح والجسد بمعركة تأبى ان تفارق ادراكه .
وبينما هو في حديثه الصامت مع القمر ، تدخل ريما خلسةً .
لتبدأ اوراق الشجر تُرتّل قداديس الحب البريء بارتطام نسائم الهواء العليل وهو يُلاعب شعر ريما المتسربل على كتفها .
سقطت نجوم خالد حائرة مستسلمة لبصيرة طال انتظارها و نبض لا عروق فيه سوى دمعة الحنين والشوق.
بسكون تام ، ارتمت ريما على صدره ، لم يشأ ان يُفكر بشيء فالأمر قد انقضى و عادت الحياة إلى أصلها بعد ان خلعت الثوب الحزين .
بدأ خالد يُقَلّب نظره في خدودِ كلماتها التائهة عن النطق .
حتى انتهى بصفحتها الأخيرة . لينتفض بركان شغفه معلناً انتصار القمر .
افترشا الارض جمراً ، و نثرا الفرح بجنبات الكوخ المهترئ .
ومن خارجه تُصفقُ الطيور الساهرة السامعة لأصواتٍ كقعقعة مبهمة تدنو من الداخل .
هو القسم الذي أقسمه خالد ذات يوم ان لا تهدأ له ذرة ايمان حتى يظفر بالسعادة التي ارتجاها من جسدِ فتاة بريئة همّها الوحيد ان قلبه ينبض لمن كان سنداً ، فأبت ان تمنع نفسها عنه.
ليمضيا ليلة لا يرجوا للفجر أن ينهض.
وبغفلة من أمرهما وهما بالحب متعانقان دخل إليهما .....
=====
الحزء السابع ( حكاية ريما سبب اعتقالها《4》موت السيدة لطيفة )
دخلت إليهما السيدة لطيفة ( مديرة المأوى و خادمة القصر )
كانت تريد من خالد ان ينير مدخل القصر ، لكن خالد في وئام الشغف غارق ، يروي لروحه فيض أشعاره القمرية و ذيول ذكورية عابقة بجمال انثى راضخة لمصيرها.
الذهول والغضب و الغيرة ايضا هما ماكانت عليه السيدة لطيفة .
فهي الأرملة العذراء حيث تزوجت من شاب كان زميلها بالجامعة ولم يستمر زواجهما سوى دقائق بسبب موته المفاجئ. لتكون أرملة قبل البحث في عالم الحب وممارسته.
المشهد الذي أمامها كان صدمة كبيرة . خصوصاً أن المتعانقان لم يعيرا لها انتباهاً .
إلا لحظة دخول طائر الليل ( الخفاش ) وارتطامه بقنديل وضعه خالد قرب باب الكوخ .
عندها لاحظا ان باب الكوخ يصدر صريره نتيجة ضربات السيدة لطيفة .
خالد ارتعش خوفاً وخجلاً كونه المدلل لدى السيد ياسر صاحب القصر .
بينما ريما المنتشية بالحب والأمان ، ظلّت على برودتها ولم تنظر لما يحدث فانتصار احساسها وهي بأحضان حبيبها هو الفضيلة التي أنشدتها منذ فترة .
بالوقت الذي عمّ الصمت المكان ، حيث خالد يحلم بعشيقته ويبحث بمكنونات فكره عن استنتاجات تحميها وتحمي كبريائه .
والسيدة لطيفة المغرورة تشعر بشيء من الغيرة يعتريها غضب وسؤال يجول بخاطرها ( لماذا هي وانا لا ؟!!!) رغم ان خالد يصغرها ب 20 عام .
القنديل انطفأ بسبب ريحٍ عابرة من شقّ بسقف الكوخ .
لا صوت إلا صوت الضفادع التي ترتوي من بركة الماء وصوت تصفيق جناحي الطائر الذي أوقف صرير السرير الغرامي .
قرب السرير يوجد بندقية صيد ، احتلت المشهد ونفّذت غضب خالد باطلاقه الرصاصة القاتلة لرأس السيدة لطيفة .
وهدأ كل شيء من بعدها .
نظرات خوف صامت من خالد وريما ، وترقّب لمصيرهما .
حيث انّ ....
=====
الجزء الثامن (حكاية ريما سبب اعتقالها 《5》)
حيث اجتمع عمال القصر وسيده عند مدخل الكوخ لحظة سماع اطلاق النار.
القمر الحزين أخفى نوره خلف السّحُبِ ليسدل الفضيحة عن عاشقين صامتَين مذهولَين .
فالحب ندى فجر يليق به معزوفة الفرح الدائم لنبض يدعو ويرجو البقاء . لتثمر الرحمة والفضيلة وسط حقول الخُبثِ والشر.
كان خالد يملك قلباً طيباً ، روحاً نقيّية . تعتلج في ذاته تلك الوجدانيات الطاهرة الشريفة.
وريما الشابة التي عاهدت فؤادها منذ اللحظة الاولى للقائها مع المنقذ لحياتها بالمأوى ( خالد ) - ان تركن احزانها وأفكارها بزاوية منفردة لحظة يقرر القدر ان يجتمعا . وهذا ماحصل الليلة.
أبرز ما أعانهما وهما عاريان لا يُغطي جسديهما إلا ظلمة دامسة ، ذلك الهدوء والسكون حتى الضفادع هاجرت امسيتها و طيور الليل أعلنت انسحابها . رغم ازدحام المكان من المقيمين بالقصر.
نظرت ريما لعيني حبيبها وكأنها بغصة دامعة تقول له :
( عهدي بكَ أنكَ منحتني حياتي الحافية من الكرامة الخاوية من الروح التي كابدت من السهام القاتلة حتى وصلتْ للحظة اعلان ثورة الحقيقة وضمان البقاء . فالقمر شاهدٌ على شرف لم يمسّه دنس المال وجبروة الذكورية. )
وبينما يتبادلان همسات صامتة تدخل رجال الشرطة لتضع ما يقتضيه الامر وملامسات الجريمة .
لتبدأ حكاية العدل في تلك المنطقة ، بين الاطالة و الاستغلال .
ليحصل العاشقان على تهمة الزنا وقتل نفس بشرية . لكن هناك من سيُفجّر مفاجأة ضمن قاعة المحكمة ، حيث ستقلب الاوراق ويتعدل الحكم ...
هذا الرجل هو ....
=====
الجزء التاسع ( حكاية ريما ، المحكمة 《1》 )
ضجيج ، صراخ ، دبيب أقدام ، غبار ، قطط عابرة بين المقاعد ، رنين جوّال ، سقفٌ مثقوب ، ميزانٌ مائل و صرير ابواب مهترئة . هذا ما تبدو عليه قاعة المحكمة .
رجل ينادي ( محكمة ) .... لتدخل هيئة القضاة والمستشارين أصغرهم يبلغ من العقد الخامس آخره .
يبدأ ممثل النيابة برمي التهم على خالد وريما الواقفين ضمن قفص يتآكله الصدأ.
فالدعوى قائمة على أساس حق عام كون الضحية لاتملك ورثة يطالبون لها بالقصاص للمجرم . فالسيدة لطيفة هي من خريجي المأوى كونها طفلة لقيطة بلا أبوين ، ترعرعت وتربت واستلمت ادارة المأوى.
خالد ينظر إلى باب القاعة مستغرباً حيث يقف رجلٌ مُسن هو العم يوسف . متسائلاً عما يفعله هنا .
ريما مازلت بغيبوبة الفكر ، وكأنها خارج محور الواقع ، تستغرق بدعائها . حتى سمعت رئيس المحكمة يُنادي محامي الدفاع الغائب .قاطعاً لها صمتها الفكري والنفسي.
ليتدخل العم يوسف طالباً الكلام ؛ وهو الرجل الذي كان يعمل مكان خالد بالقصر - قبل تقاعده - عند والد السيد ياسر . ويركن بمنزل صغير قرب القصر .
يتقدم الرجل العجوز ( يوسف ) نحو منصة المحكمة ، وبلسان ضعيف النطق يطلب من الرئيس احضار جهاز حاسوب لانه يملك دليل البراءة .
هنا صمتٌ رهيب يعمُّ القاعة و دبيب البغضاء في الأحشاء ،
وسكن كل شيء إلا صوت قطرات الماء الخارجة من صنبور موجود ضمن القاعة !!!
رُفعت الجلسة لمدة نصف ساعة لحين احضار الحاسوب .
=====
الجزء العاشر ( حكاية ريما ، المحكمة 《2》 )
انتهت النصف ساعة ، ليعود الجميع إلى قاعة المحكمة ، حيث خيوط الشمس تخترق النوافذ المنكسرة .
بينما خالد وريما خافضَي الطرف مطأطئَي الرأس .
رئيس المحكمة ينادي العم يوسف ليُطلعه و السادة المستشارين عمّا بجعبته .
تقدم الرجل العجوز بخطوات متثاقلة و نظرة حب للسجينين . وبين يَديهِ تتلاعب العواطف وهو صامت مذهول .
الجميع يترقب ، إلاّ مُدّعي النيابة الرافض لشهادة العم يوسف الذي بدأ النطق بالشهادة قبل استخدام الحاسوب ليقول :
(( في تلك اللحظة التي استفاق بها سمكُ النهر ، فاذا بي أرى تلك البائسة اللطيفة ريما ووجهها الجميل قد أطلّت متضعضعة شاحبة اللون ، بالية الثوب ، تمشي وتقتلع قدميها اقتلاعاً. حيث مرّت أمام البيت الذي جمعها مع حبيبها وسُعِدَت بالحب الشريف الطاهر حتى فارقها و فارقته لمجادلة الحياة . ..... أيها السادة : ريما هي زوجة خالد من كانا بالمأوى ، رغم صغرها إلا ان السكون ووحشة الظنون جعتها ترتمي بحضني حبيبها المسؤول عن سعادتها .
وبسبب سفر خالد المفاجئ ، لم تعد تراه لذلك عادت للمأوى . لتعود لحياتها المهجورة عاطفيا. ويوم قررت العمل التقت بزوجها مجددا ، لكنهما وخوفاً من ان يفقدا عملهما لم يعلنا زواجهما. وفي هذا القرص ستجدون ان السيد ياسر مالك القصر يقوم بأعمال غير شرعية ومنها الاتجار بالمخدرات .
وهو على علاقة عاطفية مع السيدة لطيفة المغدورة ، حيث تزوجها بالسّر وقام باستغلالها ليستر عليها بعد ان اكتشفها تقوم بمُداعبة أحد التجار . وقد ساعدته بالحصول على بعض فتيات المأوى واجبارهنّ العمل في ممارسة الدعارة .
كل ما ذكرت موثّق بالصورة والعقود 》
نظراً لخطورة الموضوع قررت رئاسة المحكمة توقيف السيد ياسر . للاطلاع على مضمون ومحتوى القرص .
ورُفِعَت الجلسة لليوم التالي
=====
الجزء 11. ( حكاية ريما ، المحكمة 《3》 )
يمضي الوقت بين انتظار لمةّ الحقيقة عن جبين العدالة . ولا تزال ريما قلقة ، تطلب الراحة النفسية ولا تجدها ، وكأنها تبحث عن حبيبها القريب البعيد لترتمي بحضنه ، فهي بحاجة للأمان.
هو الذي زرع في قلبها الفرحة والوئام و عاهد نفسه ان لاتخرج حتى تُثمر حياة سعيدة . وتُنيرُ دربها بلا كلل وملل .
لم تطلب ريما المستحيل ، فقط تبحث عن لذة العيش التائهة بذكورية عائمة بين مخادع النساء . ولا يزال خالد هو الرجل الحقيقي الذي أقرّ قراره ورفع رايته وأعلن حمايته.
...
ضجيج القاعة و خواطر ريما مع ذاتها قاطعهما المنادي قائلاً : ( محكمة ) ليدخل القضاة و هيئة التحكيم للنطق بالحكم .
(( باسم الشعب والقانون ، وبعد الاطلاع على الافادات الواردة من النيابة والشهود ، ونخص ما قدمه السيد يوسف من شهادة مصورة.
بعد قسم اليمين و التدقيق نُصدر الأحكام التالية :
أولاً الحكم على السيد ياسر بالحكم خمسة عشرة سنة أعمال شاقة بتهمة الاتجار بالمخدرات
ثانيا الحكم عليه ثلاث سنوات بتهمة استغلال فتيات المأوى
ثالثاً الحكم عليه بتثبيت زواجه من المغدورة لطيفة و تكليفه بجميع المصاريف
رابعاً الحكم على السيد خالد بالسجن المؤبد بتهمة جريمة القتل العمد
خامساً تجريم السيدة ريما بتهمة التحريض على القتل والحكم عليها بالسجن ثلاثة سنوات نافذة .
سادساً نظراً لحساسية الدعوى و بعد الأخذ بمدلولات الجريمة إنسانياً تُخفّض مدة الحكم إلى سنة ونصف السنة بالنسبة للسيدة ريما . واحالتها لطبيب نفسي مع بقائها بالسجن .
سابعاً الحكم على السيد ياسر بكافة مصروفات الدعوى . ))
بعد الانتهاء من قراءة الحكم يطلب القاضي من الشاهد يوسف القاء كلمته التي طلب من المحكمة لو تسمح له ان يقولها بعد الحكم ...
=====
الجزء 12 ( حكاية ريما ، المكاشفة )
مال ميزان العدالة مُعلناً انحدار نور الحقيقة لمنحدراتها الظلامية ، حيث تنمو البغضاء والجشع في أبدان من زرع الظّلم والعار بين البشرية .
سكن كل شيء بالقاعة إلا صوت السيد يوسف العجوز والشاهد الملك بالقضية .
والكل مُترقب ما ينطق به ، بينما هو يُقلّب نظراته غير مستغرب للمكان الذي ألفه . فعنده من الجمل ما هي موضع ثقة وقوة تقود للخير ....
بصوت متعثّر يبدأ الكلام متوجّها الى سيدة جالسة بالقاعة :
(( أتتذكّرين تلك الأمسية الحمراء التي جمعتنا و اقتطفنا منها زهرة الياسمين . ؟ !!! ))
الكل دُهِشَ لكلام العجوز ملقين نظراتهم للحضور حيث السيدة جالسة ؛ هي سيدة جميلة خمسينية ترتدي قبعة سوداء كبيرة ونظارات سوداء ، فستانها أسود تعلوه قيلادة ذهبية . تجلس على كرسيّ نقّال وبجانبها شاب في مقتبل العمر .
يُتابع السيد يوسف كلامهُ :
(( نعم هناك على ضفة النهر ، التقيتُ بفتاة شابة تصغرني بعشرين عاماً . وبعد مغازلة النبض و معانقة العيون . كانت هذه الفتاة تلتحف مضجعي لتُعيد لي شبابي الضائع .
كانت أمسية فارغة من التعقل ومليئة بالحب والأمان . حيث القمر لبس بهجة فرحنا وأسرج لملائكة السماء لتحمي ليلتنا.
لكن وللأسف ، بعد ذلك اليوم لم نلتقِ إلا بعد سنة كاملة وبالصدفة عند النهر نفسه . فغيابي كان اضطرارياً و هي لم تغب عن مخدعنا لحظة .
جاءتْ ومعها طفلة صغيرة، قالت لي انني سلبتها راحتها وسكونها ، ففي تلك الليلة المشتعلة حبّاً متأججاً ، بعد أن اضطرب بياض انوثتها . كانت بذور شغفنا تنمو برحمها.
طبعاً كنت كالذي يحاول الهرب من غشاوة تضرب عيناه .
ليعمّ صمتٌ ثمّ قرارٌ بايداع الطفلة في المأوى ........ ))
ينظر العجوز إلى ريما ويقول :
(( نعم انت ابنتي وهذه المرأة هي أمّكِ ....))
صدمة لريما اولاً وللحضور ثانياً ...
يُقاطع القاضي كلام الرجل العجوز متسائلاً عن فائدة هذه الشهادة وما صحتها ودليل اثبات ما يقول.
يبتسم العم يوسف و بنظرة ثقة . لكن قبل ان يُجيبه .
تطلب السيدة المُقعدة الكلام قائلة:
(( سيدي القاضي ، لدي كلام يفيد مجرى المحكمة ، رغم ان الحكم قد صدر ولكن اليوم حتى تمكنت من الحضور ، فأرجو الاصغاء ... ))
=====
الجزء 13 ( حكاية ريما ، المصارحة )
تقدّمت السيدة ( روعة ) نحو منصة المحكمة ، وصوت عجلات الكرسي النقّال يدغدغ دموع ريما الحزينة والبائسة رغم ضياع أفكارها بين حكم العدالة وحكم البشر.
تشعر ريما بالغضاضة والمهانة ، ترادوها أسئلة كثير عن تأنيب تلك المُقعدة التي تدعي أنها والدتها ، دون أن تعطيعا من الرضى كون الحياة احتقرتها و جعلتها صغيرة بين أقرانها بالمجتمع لذنبٍ عاد لها بالسوء .
بينما السيدة روعة تنظر بعذوبة البراءة وطلب الغفران ، بعد أن أزلت نظّاراتها ليلمع الدمعُ على خدّيها . فأخذ من نفسها رؤية ريما تبكي مأخذ الحزن الشديد.
لتبدأ الكلام بغصّة وقلبها ينبضُ متسارعاً :
(( سيدي القاضي ، ماكنتُ اليوم أمثلَ أمامكم إلا لضميري الذي ملّ تلك الوحشة السائدة في نفسي وذلك الصّخبُ الثائر بضجيج عواطفي . .... . أنا هنا لأقول لكم أنني من عائلة كريمة من عائلات المدينة الميسورة الحال . و قد وُلدتُّ مصابة بمرضٍ يقضم من جسمي بكل سنة حتى وصلتُ الى رقي العظم ولم أعد قادرة على المسير.
لكن قبل ذلك وعند نضوجي خضعتُ لعملية ازالة الرحم بعد أن أصيب بضعف وورم سرطاني. لأذهب بمذاهب الخيال دون معرفتي أن السيد ياسر الرجل الغني الذي احتال على أبي وسرق منه أمواله .هو من أجبر اهلي على تزويجي منه قسراً. حيث مكثتُ بقصره ضمن غرفة كالسجن غير قادرة أن أميّز ما يحصل من ضوضاء طيلة سنوات اقامتي هنا .
لأتمكّن من سرقة بعض الأصوات المرتفعة من نقاش بين السيدة لطيفة المغدورة وزوجي السيد ياسر . حيث وصلني انها حُبلى منه وتطلب منه تثبيت زواجه لكنه رفض خصوصاً أنها فتاة ( أي لطيفة ) من فتيات المأوى. وهو رجل ارستقراطي ومتزوج بي .
أمرها ان تغيب عنه وبدأا يتراجعا شيئا فشيئا وتنافرا واستوحشا بعضهما على أمل ان تقوم باسقاط جنينها .
مرّ الزّمان وطال غيابه لتعود للقصر بعد سنة تطلب العمل معه ، لكنها أخبرته أن جنينها قد وضعته وهو فتاة أسمتها ريما . حيث أبقتها بالمأوى دون ان يعلم الآخرون بذلك .
وعلى هذا الأساس تمت الاتفاقية ليعودا الى سرير العنجهية و الغراميات السّاديّة.
بينما السيد يوسف التقيتُ به قبل زواجي من زوجي ياسر . وافترشنا ضفاف النهر حُبّا لا مثيل له . وعندما التقينا بعد غياب كان بيدي طفل صغير هو أخي من زواج ابي الثاني.
سيدي القاضي ، ريما هي ابنة غير شرعية للسيدة لطيفة وزوجي ياسر وهناك دلائل تثبت ذلك في القصر .
حيث الكاميرات والتسجيلات الموضوعة بين الطاولات .
لان رجال المافيا والعصابات لا يؤمنون بالثقة فيما بينهم.
وأيضا هناك ورقة تثبت أنني زوجة ياسر أقدمها لكم وهذا الشاب أخي.
أما اثبات ان ريما ابنتهما فأطلب اجراء فحوصات طبية فيما بينهم .))
يقف النائب العام ويطلب استئناف الحكم بعد تكليف محامٍ لريما ...
=====
الجزء 14 ( حكاية ريما ، الروح )
بعد انتهاء السيدة روعة ، وطلب النائب العام من القاضي استئناف القضية .
باتت الفرحة شاسعة بأعين ريما ، لا ينغصها إلا ذكرى التعب وفقدان الحنان بحياة ساذجة بعيدة عن مفاتن وآفاق النفس .
سياج القهر المحاط بها لم يفارق دائرتها .
بينما التّرقّب هو حال خالد ، الضائع بين سراديب المحكمة و
الموسيقى السماوية التي تتغلغل في العقل والروح لحظة انجراف الخيال و انارة القلب بالحقيقة.
السيدة روعة الخارجة من سجنها القسري لتكون شاهدة على تمجيد وتهيئة ما سيقوله العدل بحقّ زوجها السيد ياسر .
وكأنها تنتظر القصاص انتقاماً لشبابها ومرضها .
ضمن هذا الصراع الفكري مع الأمنيات التي تدور بكنف كل نفسٍ على حدا.
صوت مطرقة القاضي تقول بانتهاء الجلسة الناطقة للحكم وعدم الاستجابة لاستئناف القضية.
فصمت الجميع بالقاعة ، وقد شعروا ببعض الامتعاض الذي يعتري الصدر ويهيمن على القادم من ايام.
(( بعد سنة ))
ريما في السجن استطاعت الهرب عن طريق ال.....
=====
الجزء 15 ( الأخير من حكاية ريما )
( هنا ينتهي < الفلاش باك > الذي بدأتُ به من الجزءالثاني )
( غيبوبة ريما وهذيانها ونومها بالغابة )
أصبح مُراقبي الغرفة التي تنام فيها ريما يخشون أن تُصاب بوباء عظيم ، وأن تنحدر حالتها انحدار الجنون وفقدان الشخصية.
فقد أصبح هذيانها الدائم مع ارتفاع حرارة جسمها وهي في غيبوبتها المتقطّعة التي استمرّت بعد دخولها المستشفى بثلاثةأشهر حتى اليوم وقد مضى سنة عليها.
هذا الهذيان لا ينطق غير كلمة (( ماما )) . في يقظتها وفي منامها ؛ تارة تبتسم و تُراقص يديها بالهواء وكأنها تحتضنها . وطوراً تدمعُ عينيها بؤساً و كآبةً .
ليُعلنَ الأطباء استسلامهم لأمرها . فكان لابُدّ من البحث والتقصّي لمعرفة الحالة .
فإن أنهت ريما ضوضاء حياتها المتوتّرة وضجيج آهاتها المتزاحمة بأفكار ماضٍ كان كفيل أن يمدّ أسرابه حتى أعماق سريرتها . لترى ما يجول بقرارتها من أشباح منهم من غادروا الحياة ومنهم من يقبع في بوحدته .
إلاّ هي المريضة التى لم ترَ سحابة بياض تُمطر عليها الأمان والراحة.
وفي يومٍ غاب القمرُ عن أمسياتها ، أغمضت ريما العينَ و هدأت أمواجُ العبورِ ، لتسكنَ رايتها فوق أرضٍ قاحلة . خالية من والدتها( لطيفة ) التي قتلها حبيبها(خالد) دفاعاً عن صرير شغفهما ، و الآن ينال عقابه .
وخالية من والدها ( ياسر ) الظالم العابد للمال وهو في سجنه يعانق الندم والحسرة.
تساقطت ثمار ريما لا تطرف لها عينٌ ولا دقّة قلب .
ليُصدَر بحقّها حكم البراءة الإلهيّة قبل انقضاء حكم البشر .
فينقلب قالب الرذيلة بفشله وتنجح ريما باسقاط الساقطين مهما طال التفكير .
((( لم تدخل ريما المعتقل بحياتها وإنما هي شابّة درست علم النفس وتعمل في إحدى الجمعيات الإنسانية كمرشدة نفسية . لكنّها أصيبْ بمرض عضال جعل جسدها ينهار و تستسلم لضياع الأفكار . فتدخل بغيبوبتها . لتستيقظ بعد عدة أيام وتروي ما حدث معها من مخيّلات .
إلى أن قضى أمرها وتوفيتْ.
بينما شخصيات القصة فهي من محضِ الخيال لأن عائلة ريما موجودة ولم تكن بمأوى بينما خطيبها مسافر بحجة العمل )
اااااااانهاية
الكاتب وائل اسحق W.S
سورية - حمص في 20 /5/2018